سورة الملائكة:{مثنى وثلاث ورباع} قد ذكرنا أنها لتكرر تلك الأعداد، ولم ينصرف للعدل والصفة. وقال بعض الطاعنين: إن صاحب الأجنحة الثلاثة لا يطير، لزوال الاعتدال، ويكون كالجادف الذي أحد جناحيه مقصوص. فأجاب عنه الجاحظ: إنه قريب معقول في الطيران، إذا وضع على غير هذا الوضع، يصير ثلاثة أجنحة وفق تلك الطبيعة. ولو كان الوطواط في تركيبه كسائر الطير، لما طار بلا ريش.وكل إنسان فإنما ركبته في رجله، وذوات الأربع ركبها في أيديها، والإنسان وكل سبع فكفه في يده، والطائر كفه في رجله. ويجوز أن يكون موضع الجناح الثالث بين الجناحين، فيكون عونًا لهما فتستوي في القوى والحصص. وإذ كان ذلك ممكنًا في معرفة العبد، فكيف في قدرة الرب، وأيضًا فإن هذا البناء لتعدد العدد المسمى به، ولذلك عدل عن البناء الأول، فثلاث إذا عبارة عن ثلاث ثلاث، فتكون ثلاثة أجنحة من جانب، وثلاثة من جانب، فيعتدل.{أفمن زين له سوء عمله فرءاه حسنا} جوابه محذوف، يجوز أن يكون مثل: تريد أن تهديه.ويجوز: فإنه يتحسر عليه. ويجوز: كمن آمن وعمل صالحًا. ويجوز: كمن علم الحسن والقبيح. ويجوز: فإن الله يضله، إلا أنه وقع {من يشاء} موقع الجميع. وإنما كان أكثر استفهامات القرآن بلا جواب، لمعنيين، أحدهما: ليكثر احتمال الجواز، والثاني: لأنها من عالم لا يستعلم مستفيدًا.{من كان يريد العزة فلله العزة جميعا} قال قتادة: أي: فليتعزز بطاعة الله. وقال علي: من سره الغنى بلا مال، والعز بلا سلطان، والكثرة بلا عشيرة، فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته.وأنشد:
من رام ملكًا في الورى من ** غير سلطان ومال
وأراد عزًا لم يؤثـ ** ـله العشائر والموالي
فليعتصم بدخوله ** في عز طاعة ذي الجلال
{إليه يصعد الكلم الطيب} التوحيد. وقيل: الثناء الحسن على الصالحين.{والعمل الصالح يرفعه} أي: يرتفع الكلام الطيب بالعمل الصالح.{وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره} قال البلخي: أي: من عمر آخر غير الأول، كما تقول: عندي درهم ونصفه، أي: نصف آخر، بل لا يمتنع أن يزيد الله في العمر أو ينقص، كما روي: أن صلة الرحم تزيد في العمر على أن تكون الأحوال قبل التغيير وبعده مستقرة في سابق علمه.{ومن الجبال جدد} طرائق. والجدة: الطريقة.{وغرابيب} من شرط التأكيد أن يتقدم الأظهر، كقولك: أسود حالك، وأصفر فاقع، فكذلك ينبغي أن يجيء سود غرابيب، ولكن تقديم الغرابيب، لأن العرب ترغب عن اسم السواد، حتى يسمون الأسود من الخيل: الأدهم، والأسود من الإبل: الأصفر. قال أبو عبيدة-في بيت الأعشى-: 983- تلك خيلي منهم وتلك ركابي هن صفر أولادها كالزبيب. فبدأ الله بما هو أحب عندهم، وأخر ما هو أكره في أسماعهم.{فمنهم ظالم لنفسه} يحتمل أصحاب الصغائر والكبائر، فيكون قوله: {الذين اصطفينا من عبادنا} دليلًا على أن جملة هذه الأمة مصطفاة متخيرة على غيرها، وإن كان فيها الفسقة المرقة. والمقتصد: المتوسط في الطاعة. والسابق: أهل الدرجة القصوى منها.{أذهب عنا الحزن} هموم الدنيا ومعايشها.{وجاءكم النذير} النبي عليه السلام. وقيل: الشيب، وفي معناه قيل: